رئيس الوزراء يصعد تبة هارون بسانت كاترين ويستمع للآراء الدينية والأثرية حول جبل التجلي (تفاصيل)

ضمن برنامج زيارته لمدينة سانت كاترين، اليوم، زار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، شاهد رؤية هارون المطلة على وادي الراحة والمواجهة لجبل التجلي، المجاور لجبل موسى البالغ ارتفاعه 2242م عن سطح البحر.

 

وبمجرد صعوده نقطة "تبة هارون" أو "رؤية شاهد هارون"، قدم مدبولي التهنئة للشعب المصري، بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم، ولأبناء مصر الأقباط بمناسبة بدء "الصوم الأكبر".

 

وقال رئيس الوزراء : "اخترنا في هذا اليوم وقبل بداية شهر رمضان الكريم بيوم واحد، أن نزور واحدة من أطهر بقاع الأرض وأكثرها قدسية في الأديان السماوية الثلاثة، وهي منطقة طور سيناء، والتي شهدت تجلي الله على هذه الأرض لسيدنا موسى، وهي القصة الأشهر الموجودة بجميع الكتب السماوية، حيث تتفق كل الديانات بأنها النقطة الوحيدة التي تجلى الله فيها بوجهه الكريم على هذه الأرض.

 

وأشار مدبولي إلى توجيه رئيس الجمهورية، منذ أول لحظة، بتعظيم وتطوير هذه البقعة الطاهرة المقدسة، وأن يتم إنشاء البنية الأساسية والمشروعات التي تمكن من إبراز أهمية هذه البقعة للعالم كله، مجددا التأكيد على أن هذه المنطقة ستكون هدية للعالم بأسره، ومقصدا ومزارا بصورة مميزة لأي زائر قادم من أي مكان في العالم.

 

وأضاف: "اليوم قررنا أن نبدأ الزيارة بالوقوف على هذه التبة لأن لها معنى ورمزا دينيا مشهورا ومهما للغاية، وهي تبة سيدنا هارون، شقيق النبي موسى". وفقا للبيان المنشور على الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء على موقع "فيسبوك".

 

وأعرب رئيس الوزراء عن حرصه لسماع وجهة النظر من العلماء المصريين من وزارة الآثار، لشرح الجانب الأثري والتراثي والتاريخي، وكما أعرب عن سعادته بوجود الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، وأحد أبرز علماء الآثار على مستوى العالم، وأيضا رجال الدين الإسلامي والمسيحي لشرح ما ذكر بالنسبة لأهمية هذه النقطة في الكتب المقدسة.

 

الأهمية التاريخية لسانت كاترين

واستمع رئيس الوزراء إلى شرح من الدكتور جمال مصطفى، نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بوزارة السياحة والآثار، حول الأهمية التاريخية والتراثية لمدينة سانت كاترين، وكذلك أهمية "تبة هارون" أو "شاهد رؤية هارون" المسجلة على قائمة الآثار الإسلامية في مصر.

 

وأضاف أنه منذ قرابة 4 آلاف عام وحتى عام 2002، تحافظ مصر من خلال حكوماتها المتتالية على هذا المكان كتراث إنساني ملك للعالم، مشيرا إلى أنه فى عام 2002 تم تسجيل منطقة سانت كاترين على قائمة التراث الثقافي العالمي، وأحد المعايير التي سجل عليها الموقع هو المعيار السادس الخاص بالممتلكات المرتبطة بأحداث تاريخية هامة أو أشخاص أو عقائد أو فلسفة، على أن يكون مقترنا على نحو مباشر أو ملموس بأحداث أو تقاليد حية أو بمعتقدات أو بمصنفات فنية أو أدبية ذات أهمية عالمية بارزة، أو الممتلكات المرتبطة بفهم شخصيات تاريخية أو أحداث أو ديانات أو أشخاص لها استثنائية وهي حدث التجلى الأعظم وتلقي الألواح والمناجاة، وشمل ملف التسجيل جبل موسى وشجرة العليقة والدير الأثري، موضحا أنه يوجد لجنة علمية تابعة للمنظمة الدولية تراجع ملفات التسجيل مراجعة دقيقة، وتستند إلى حقائق تاريخية موثقة تضم توثيق التجلي الأعظم كمدينة مقدسة لها قيمة عالمية استثنائية.

 

وقال مصطفى إن "تبة هارون" تطل على وادي الراحة التي مكث فيها بنو إسرائيل في رحلة خروجهم من مصر، مؤكدا أن المجلس الأعلى للآثار أثبت بالدلائل العلمية الموثقة مسألة خروج اليهود من مصر، مضيفا أن هناك خريطة محددة وفقا للمصادر التي تم الاستناد إليها في هذا المشروع، وتتضمن  دلائل من الكُتُب السماوية، خاصة العهد القديم.

 

وأوضح أن المجلس الأعلى للآثار اعتمد أيضا في هذه المسألة على نتائج بعثات الحفائر العلمية التي تعمل في سيناء، وبلغت نحو 11 بعثة مصرية، بالإضافة الى 3 بعثات من دول صديقة من فرنسا وألمانيا وكندا، وذلك ضمن جهود المجلس في البحث العلمي والتنقيب، بالتعاون مع الجهات العلمية الأخرى، وتتمثل في وزارة البيئة، التي تملك قانونا قويا لحماية المحميات الطبيعية بالمنطقة، ووزارة التنمية المحلية، وكذلك الجامعات فيما يخص الجيولوجيا والأنثربولوجيا، حيث ثبت أن خروج اليهود من مصر كان من بحر خليج السويس، مؤكدا أن هناك  دراسة جيولوجية في إحدى الجامعات المصرية بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، تثبت حقيقة "الفلق" الذي حدث في خليج السويس، وستنتهي الدراسة نهاية العام ليتم الإعلان عن نتائجها.

 

واستطرد نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن لدينا الكثير من الأدلة التي نحتفظ بها، في هذا الصدد، كما أن "عيون موسى" بها دليل دامغ أيضا، حيث إنه وفقا للروايات الدينية، التي سيتطرق لها رجال الدين لاحقا خلال الزيارة، فإن هناك 12 عينا، كنا قد كشفنا 8 عيون منها، حتى العام قبل الماضي، وتم خلال العام الماضي والحالي اكتشاف العيون الأربعة الأخرى.

 

شجرة العليقة ونبوة سيدنا موسى

وتابع أن الدليل الثالث هو "شجرة العليقة" الموجودة في الدير، وهي الشجرة الوحيدة التي لا تنبت في غير مكانها، وقد أجريت عليها أبحاث كثيرة وتم أخذ شتلات منها من أجل زراعتها في أماكن أخرى، واستحيل ذلك، وما بعدها هو جبل موسى، مؤكدا أن سيدنا موسى عليه السلام ولد في مصر، وعاش في مصر، ومات ودفن في مصر، وكانت رحلته كلها داخل مصر.

 

وأضاف عندما وصل إلى هنا، وجد شجرة العليقة ملتهبة، فذهب لاستكشافها وإيجاد شيئ يفيده، أو أن يجد نيرانا للتدفئة، وعندما وصل هناك، كانت هنا النبوة، ففي هذه اللحظة نزل الملك على سيدنا موسى وكلفه بأن يذهب إلى فرعون، وبدأ من ذلك التكليف كنبي، حيث عاد إلى مصر ومكث مع أهله بها ورأى الاضطهاد ثم عرض على فرعون أن ينتهي عن عبادة الأوثان ولكن ازداد فرعون طغيانًا، فاضطر موسى أن يأخذ قومه ويرحل.

 

وأضاف: وأثناء رحيله، تجنب سيدنا موسى طريق الشمال، حيث توجد الجنود ويوجد 11 قلعة مكتشفة بالطريق الشمالي الحربي، وما بين كل قلعة وأخرى هناك مراقب أمنية وعسكرية، بل تحرك وقومه في اتجاه الساحل، حتى يجد قومه الماء والطعام.

 

وتابع: بعد انتقاله من الساحل إلى أن وصل الوادي، الذي نقف فيه حاليا، أراح موسى أهله في ذلك الوادي، لذلك تمت تسميته بوادي الراحة، ثم صعد إلى الجبل، ولكن لم يكن صعوده للجبل من هذا المكان بل من الجزء الذي يوجد به الدير، وصعد موسى إلى أعلى الجبل وتسلم الشريعة، وأطلق على جبل موسى جبل الشريعة، وتمثلت تلك الشريعة في لوحتين تضم الوصايا العشر لبني إسرائيل، استلمها موسى وكان صائما، وقد حدثه الله، ففطر تجنبا لرائحة الفم أثناء الصيام، ولكن فرض الله عليه 10 أيام أخرى، فبقى 40 يوما فوق سطح الجبل، وخلال هذه الفترة خرج أهله الموجودون في الوادي هنا عن الملة وعادوا لعبادة الأوثان مرة أخرى، وأكد أن ما يهمنا في الحدث أنهم استقروا هنا لمدة 40 يوما ثم انتقلوا.

 

وأشار إلى أنه عندما حدث موسى ربه، في المرة الثانية طمع أن يرى الله، وفقا للطبيعة الإنسانية، فقال الله له: سوف أتجلى لهذا الجبل، وإذا تجليت له وثبت سوف تراني، وبناءً على ذلك دك الجبل وخر موسى صعقا. وأضاف أن تلك قصص قرآنية وموجودة بكتب الإنجيل وتواترت فيما بعد ما بين الأهالي.

 

كما تطرق إلى دور المجلس الأعلى للأثار في إثبات مسار العائلة المقدسة في مصر الذي شهد لغطا كبيرا على مستوى العالم، حيث تم عمل خريطة للمسار اعتمدتها الكنيسة المصرية والفاتيكان.

 

كما أشار إلى ما قام به المجلس الأعلى للآثار من توثيق قدوم آل البيت إلى مصر من الجزيرة العربية، ورحبت بهم مصر واستضافتهم أحياء، ثم أكرمتهم عند وفاتهم، فأقامت لهم أضرحة في القاهرة القديمة.

 

موقع التجلي الأعظم في الديانات السماوية

وفي سياق متصل، أكد الأنبا بافلي بالميلاد إميل، أسقف عام الشباب، أنه انطلاقا من الكتب القديمة، يعتبر العهد القديم شديد التوثيق، لأنه يسرد تفاصيل منذ 1500 عام قبل الميلاد، وأضاف أنه يوجد مخطوطات مكتوبة وفقا للأثريين تتحدث عن هذا المكان، فالبعض كان يرى أن خليج العقبة هو الذي تم منه الخروج، حيث تحدثوا عن شواهد لوجود بعض المراكب الفرعونية بخليج العقبة، لإثبات أن المرور تم بخليج العقبة، وهذا الافتراض غير صحيح، لأن خليج العقبة كان يمر منه بعض المراكب التي تحمل الأسلحة.

 

وسرد الأنبا بافلي عدة أمور هامة، وهي: أي موضع عبره بنو إسرائيل، وما اسم البحر الذي عبره بنو إسرائيل، وأين يوجد جبل موسى، حيث أوضح أنه حينما خرج بنوا إسرائيل بأمر من الله وهذا مكتوب في كتاب "الخروج"  سنة 1500 قبل الميلاد، لم يتركهم الله في اتجاه فلسطين ناحية الشمال رغم أنها قريبة، والوصول إليها أسهل، وذلك حتى لا يعودوا إلى مصر إذا وجدوا في المكان الجديد حرب،  لكن الله أخذهم في مسار آخر، فلم يخرجوا من ناحية الشمال لكن خرجوا من ناحية البحر الأحمر، وهذه الأماكن حاليا هي حول خليج السويس.

 

وأضاف: "قيل لسيدنا موسى، ارفع انت عصاك، ومد يدك على البحر، وشقه، فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابس، وقد ورد في الكتاب المقدس ان البحر الأحمر تسمية حديثة، والاسم القديم كان بحر "صوف"، وهي كلمة قبطية مصرية قديمة معناها البوص، وهذا يثبت مكان العبور، وكان النيل عندما يفيض يصل الى البحر، فكان ينمو البوص، وقد ورد اسم بحر "صوف" 24 مرة في العهد القديم، وهذا دليل على مكان العبور، وأن العبور تم من خليج السويس، لأن المياه العذبة عند وصولها إلى البحر ينمو البوص، وهناك استحالة للعبور من منطقة أخرى مثل نويبع، لأن هناك سبب جيولوجي، والجبل في هذا المكان ورد اسمه "جبل سيناء"، وقد ورد 17 مرة في كتابات موسى، وهذا الجبل هو جبل موسى أو جبل التجلي، هو أكبر دليل أنه عندما تكلم الله كان على هذا الجبل.

 

وفي بداية حديثه، توجه الدكتور نظير محمد عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، بخالص الشكر لرئيس الوزراء على هذه الدعوة الكريمة لمشاركة الأزهر في هذه الرسالة المهمة التي تُعطي رؤية واضحة عن قيمة ومكانة هذا المكان، لافتاً إلى أن ما تفضل به ممثل الكنيسة، وممثل المجلس الأعلى للآثار، يأتي منسجماً مع ما جاء في الشريعة الإسلامية، وهو أمر ليس غريبا، حيث إن جزءا كبير مما يتعلق بسيدنا موسى ورد ذكره في القرآن حتى قيل، كاد القرآن أن يكون كله لموسى.

 

وأضاف أن الحديث من هذه النقطة كان مهما لعدة أسباب، أولها الرمزية الخاصة بها، لأنها تتعلق بقصة نبي الله هارون، حيث يُنظر إلى هذا المكان على أنه الذي عاتب فيه موسى أخاه هارون، عند عودته من لقاء ربه وأخذ الألواح، والقرآن الكريم ينص على هذه الواقعة، وكل ذلك يؤكد رمزية المكان، وملحقات هذا المكان تؤكد بشيء من الجلاء والوضوح أن هذا هو المكان الذي ذكره القران وأكدت عليه نصوص التوراة والإنجيل أيضا.

 

ولفت إلى أن السبب  الثاني هو الجبل، فعندما نبحث في القرآن الكريم نجد أن كلمة جبل لم يرد ذكرها معرفا إلا عندما تحدث الله عن هذا الجبل، والقرآن يؤكد أن هذا المكان هو ماورد في النصوص الدينية، بـ "الجبل" أو "الطور"، كما أن السبب الثالث هو أننا حين  نستعرض قصة خروج موسى، فإن كل البراهين العقلية والواقعية تؤكد أن الإنسان إذا ما صدر عنه فعل وأراد أن ينجو من فعله، لابد أن يبحث عن طريق آمن يضمن له سلامة الوصول، وسيدنا موسى عندما أمره الرجل الخروج سرا من المدينة، خرج حتى وصل إلى مدين ثم عاد من مدين إلى مصر.

 

ومن ناحية أخرى، قال الدكتور زاهي حواس إن المصريين القدماء اهتموا بسيناء اهتماما بالغا نظرا لقيمتها الكبيرة، مشيدا بالمشروعات الحالية لتعمير سيناء المتناغمة مع البيئة والتراث السيناوي، مؤكدا على أن الأهمية التاريخية لمصر وسيناء تدفع البعض بادعاء أنهم مساهمون في تاريخها العريق وأنهم أصل الحضارة المصرية القديمة على غير الحقيقة، وكذا ادعاء البعض بأن فرعون موسي ليس مصريًا وهو تدحضه حقائق ما جاء في لوحة "مرينبتاح" المحفوظة في المتحف المصري، والتي يمجد فيها الشاعر المصري القديم في "مرينبتاح" واصفًا إنجازاته، وأن العبرانيين كانوا متواجدين في مصر وخرجوا منها قبل عصر "مرينبتاح"، وليس هناك أي تأكيد علمي على شخصية فرعون موسي.

 

وأوضح أن كل الدراسات الأثرية والعلمية تشير إلى أن العبرانيين كانوا يقيمون في منطقة الدلتا، وعند خروجهم ذهبوا إلى سيناء، مضيفا أنه أثريا "موسى" اسم أصله مصري وأن العبرانيين عاشوا في مصر وعندما خرجوا توجهوا إلى سيناء.

 

وفي الختام، أكد رئيس الوزراء على أن هذا المشروع، والذي وجه بتنفيذه رئيس الجمهورية، يعد تطويرا كاملا لمنطقة "سانت كاترين" باعتبارها واحدة من أطهر بقاع الأرض، وأشار بشكل خاص إلى "ساحة السلام"، وبجوارها المدينة القديمة التي تشهد أعمال التطوير حاليا، وبجانبها "الدير".

 

وقال مدبولي إن البعدين البيئي والتراثي تمت مراعاتهما منذ البداية في تنفيذ أعمال التطوير، حيث إن هذه المنطقة مسجلة بمنظمة اليونيسكو، كما أنها محمية طبيعية.

 

وأضاف: طبيعة المباني، تتسم بالبساطة، بحيث تتماشى مع طبيعة المكان، كما أن الألوان التي تم استخدامها هي نفس ألوان الجبال، وكذلك تم استخدام نفس أنواع الزراعات، والتركيز على زراعة أشجار الزيتون، حيث تشتهر هذه المنطقة بهذه الزراعة، كما أن المشروع تم تصميمه وإنشاؤه بطريقة عبقرية، بحيث يكون مندمجا ومتلاحما ومنسجما مع البيئة الأصلية للمكان.